/ الفَائِدَةُ : (43) /

03/11/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / تَجَرُّدُ وانمحاء ماهيات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الْخَاصَّة لتصبح أَسمآء وصفات إِلٰهيَّة / إِنَّ ذوات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ(1) إِذا تصاعدت طبقاتها ؛ وتَشَفَّفَت ، واشتدَّ تلطُّفها وخلوصها ، وتجرَّدت تجرُّداً تامَّاً ، ووصلت إلى طبقةٍ ومرتبةٍ من عَالَم الصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة انمحت فيها ذواتهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وماهيَّاتهم الخاصَّة ، وجنبة المخلوقيَّة ، فلا تُرٍي تلك الطَّبقات ذواتها ، بل محكيِّها ؛ فلا يُرَىٰ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين) ، بل (حميد ، وأَعلىٰ ، وفاطر، ومُحسن ، وقديم الإِحسان) ، فلشدَّة صفائها وحكايتها اِضْمَحَلَّت فيها الماهيَّة المحدودة وجنبة المخلوقيَّة ، فصارت مرآة شديدة الشَّفافيَّة والصَّفاء ؛ لا تُرٍي نفسها ، بل محكيِّها (الذَّات الإلٰهيَّة الـمقدَّسة) ، وحينئذٍ يصحُّ وصف أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بلحاظ هذه الطَّبقة ـ أَي : طبقة ومرتبة عَالَم الصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة ـ أَيضاً بالصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة ؛ لاِنْعِكَاسها فيها ، فهذه الطَّبقة بعدما كانت آيات وصفات وأَسماء إِلٰهيَّة ؛ فكما تَثْبُت الفضائل وصفات الكمال وعلو المقامات والأَسماء الإِلٰهيَّة للمُسَمَّىٰ ـ أَي: للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة ـ تَثْبُت أَيضاً لهذه الطَّبقة والمرتبة ؛ باعتبارها صفات وأَسماء إِلٰهيَّة ؛ فعدم التَّناهي، والأَزل، والأَبد وسائر الصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة كـ : (القيوميَّة) ، و(الواحديَّة) ، و(الأَحديَّة) ، و(الصَّمد) ، و(الخالق) ، و(الغافر) كما هي ثابتة للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ثابتة أَيضاً للصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة من دون ريب ولا إِشكال ، ولا محذور كمحذور الغلو. نعم ، هذه الصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة لا تتَّصف بها طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة بالذَّات والأَصالة ، وإِنَّما بالتَّبع ومن الغير ؛ لأَنَّ تلك الطَّبقات والصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة بعدما لم يشبها شائبة الأَنا والمخلوقيَّة وماهيَّة محدودة كانت شديدة الصَّفاء ، لا تحكي نفسها ، بل محكيِّها ، ولقوَّة اِنعكاسها اِنْطَبَعَت فيها وأَخذت وصف ذيها وجماله وكماله ، بخلاف كمالات وصفات وأَسماء الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة ؛ فإِنَّها ثابتة له (تقدَّس ذكره) بالأَصالة وبالذَّات. وبالجملة : الفارق بين الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة وتلك الطَّبقات والصِّفـات والأَسمـاء الإِلٰهيَّة هو : الفارق بين : (ما منه الوجود أَصالة وبالذَّات)، و(ما منه الوجود بالتَّبع وحكاية وبالغير). والأَوَّل : ثابت للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المقدَّسة أَزلاً وأَبداً ليس إِلَّا. والثَّاني : وجود ظلِّي وحاكٍ ؛ يأتي في المخلوقات المكرَّمة : الصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة . نظيره : الصُّورة المرآتيَّة المُنعكسة عن الواقعيَّة الخارجيَّة ، والحاكية لها ؛ فإِنَّها تأخذ جميع صفات وكمالات تلك الواقعيَّة وتنعكس فيها ، وإِلَّا لزم التَّعطيل(2) ، لكن : هذه الصِّفات والكمالات ليست ثابتة بالأصالة وبالذَّات للصُّورة المرآتيَّة ، وإِنَّما مفاضة ومُنعكسة عليها من الواقعيَّة الخارجيَّة ، فتأمَّل جيِّداً. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذا بيان آخر ـ في قوس الصعود إِنْ صحَّ التَّعبير ـ يُثبِتُ أَيضاً الفضائل والكمالات والصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة ؛ وعلوّ مقامات الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة من دون تأليه لطبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ؛ بعدما تنمحي فيها جنبة الأَنا والمخلوقيَّة والماهيَّة المحدودة ؛ فتُصبح صفات وأَسماء إِلٰهيَّة . وبالجملة : مرَّ في الفائدة المتقدمة بيان ، وهذا بيان آخر تُثبَت فيه لحقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة الصِّفات والأَسماء الإِلٰهيَّة. أَمَّا الأَوَّل ـ وهو ناظر إِلى قوس النُّزول إِنْ صحَّ التَّعبير ـ فقد تقدَّم. وأَمَّا الثَّاني ـ وهو ناظر إلى قوس الصُّعود إِنْ صحَّ التَّعبير ـ وهو ما نحن فيه ، فتكون هذه الطَّبقة والمرتبة الَّتي مُحِيَت وفُنِيَت فيها جنبة الأَنا والمخلوقيَّة والماهيَّة المحدودة لذوات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بنفسها صفات وأَسماء إِلٰهيَّة للذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة من دون واسطة . فتكون صفات وأَسماء (للذات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقَدَّسة) أَيضاً. (2) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ مَنْ يتدبَّر في التَّعطيل فسيجد أَنَّ في حاقِّه وباطنه تشبيه ؛ ومَنْ يتدبَّر في حاق وباطن التَّشبيه فسيجد أَنَّ فيه تعطيل . وعليه : قس التَّقصير والغُلُو ، والجبر والتَّفويض . / تفسير بيانات الوحي للقدريَّة بالجبر تارة وبالتَّفويض أُخرىٰ/ وَمِنْ ثَمَّ فُسِّرَت القدريَّة تارة بالجبر ، وأُخرىٰ بالتَّفويض . والنُّكْتَةُ : أَنَّ باطن الجبر تفويضٌ ، وباطن التَّفويض جبرٌ . فحقيقة وروح الجبر تؤول إِلى تفويضٍ ، وحقيقة وروح التَّفويض تؤول إِلى جبرٍ . ومِنْ ثَمَّ يكون كِلَا التَّفسيرين وجيه . والحقُّ يكمن ـ في جميع ذلك ـ في سلوك (الأَمر بين الأَمرين) ؛ وجادَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الوسطىٰ ؛ وصراطهم المُستقيم . /أَحَد لُغات قاعدة : (الأَمر بين الأَمرين)/ ثُمَّ إِنَّ ما ورد في بيان قوله تعالىٰ : [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا] [طٰه: 114] برهانٌ وحيانيٌّ ولغةٌ رياضيَّةٌ أُخرىٰ لبيان قاعدة : (الأَمر بين الأَمرين) الوحيانيَّة ، تفهمها الشعوب المُتحضِّرة في العصر الراهن والأُسرة الدوليَّة ؛ فإِنهما دالَّآن على عدم تناهي طبقات العلوم والمعلومات